د. سالم البدوي مارس 2025
يُوفر دمج الذكاء الاصطناعي في التعليم العالي العديد من الفرص، لكنه يطرح أيضًا عدة تحديات يجب معالجتها بعناية. ومع استمرار تطور تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، أثَّر بشكل متزايد على التفكير النقدي والنزاهة الأكاديمية والعمليات التعليمية، مما أثار جدلًا واسعًا. وعلى الرغم من التقدم الذي يقدمه الذكاء الاصطناعي، إلا أنه قد يؤدي إلى عواقب غير مقصودة قد تؤثر على جودة التعليم ومبدأ تكافؤ الفرص. لذا، فإن فهم هذه التحديات والمخاطر ضروري للتعامل مع هذه التعقيدات وضمان استفادة كلٍّ من المعلمين والطلاب من تقنيات الذكاء الاصطناعي. فيما يلي، نستعرض بعض هذه المخاطر والتحديات:
1. اضمحلال مهارات التفكير النقدي والمنطقي
قد يؤدي الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي إلى تقليص القدرة على التفكير المنطقي والاستدلال. لذا، يجب على الأنظمة التعليمية أن تعلم الطلاب كيفية التعاون الفعَّال مع الذكاء الاصطناعي.[1]
2. اختراق النزاهة الأكاديمية
قد تؤدي سهولة إنشاء المحتوى تلقائيًا إلى حدوث خروقات في النزاهة الأكاديمية وتآكل محتمل لقدرات التفكير النقدي. فقد يستخدم الطلاب الذكاء الاصطناعي لإنشاء المحتوى بشكل فوري كطريقة مختصرة، مما يقوّض المشاركة الفعَّالة وبناء المعرفة. لذلك، من الضروري ان تقوم مؤسسات التعليم العالي بإعادة تصميم المناهج التعليمية لمنع حدوث خروقات النزاهة الأكاديمية.[1-3]
3. توليد معلومات متحيزة أو مُزيفة
قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي تحيزات ثقافية وصورًا نمطية وتمثيلات خاطئة. هناك خطر من إدخال تحيزات ومعلومات مزيفة في عملية تدريب النماذج اللغوية. كما يوجد خطر من تلوث المصادر بمحتوى مُختلق (هلوسة) تم إنشاؤه اصلاً بواسطة الذكاء الاصطناعي. وقد يؤدي تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي على هذه المخرجات إلى تفاقم توليد مثل هذه الاختلاقات، مما قد يتسبب في انخفاض جودة النصوص المُنشأة.[3-8]
4. اعتبارات أخلاقية وقانونية
تُمثل الاعتبارات الأخلاقية والقانونية المتعلقة بخصوصية البيانات والأمان والتحيز تحديات ملحوظة في التحولات التي يقودها الذكاء الاصطناعي في التعليم العالي. قد تظهر تساؤلات حول المساءلة والمسؤولية عن الأنظمة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي في التعليم العالي. ويمكن أن تساعد السياسات والإرشادات الواضحة، جنبًا إلى جنب مع المراجعات الأخلاقية المستمرة، في معالجة هذه التحديات وضمان الاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي في التعليم العالي.[4-5]
5. نتائج عكسية ومشاكل دقة
على الرغم من النوايا الحسنة، قد تحدث عواقب أو نتائج سلبية غير مقصودة أو تنعكس بشكل عكسي عند استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي. تعتمد النماذج اللغوية مثل (ChatGPT) على الارتباطات (correlation) بين الكلمات و النصوص وقد لا تعكس السببية(causation). وقد يكون من الصعب فصل الارتباطات والأنماط الدقيقة عن الضوضاء (noise) أو المعلومات غير ذات الصلة.[9]
6. فقدان الوظائف للكوادر الأكاديمية
قد يخشى بعض أعضاء هيئة التدريس أن يحل الذكاء الاصطناعي محل الأساليب التعليمية التقليدية، مما يؤدي إلى فقدان الوظائف أو تقليص دور المعلمين البشريين. كما أن استخدام الذكاء الاصطناعي في العمليات الإدارية قد يثير مخاوف بشأن استبدال الوظائف وتأثيرات ذلك على القوى العاملة في الجامعات. لذا، من المهم أن تدير الجامعات عملية التحول بعناية، وأن تضمن تنفيذ الذكاء الاصطناعي بطريقة تدعم وتُعزز القوى العاملة الحالية بدلاً من استبدالها.[5]
7. الفجوة الرقمية وعدم تكافؤ الفرص
قد تؤدي الفجوات في الوصول إلى التكنولوجيا إلى توسيع الفجوة الرقمية بين المجتمعات المتقدمة والنامية. وقد يحدث عدم مساواة رقمية إذا لم يتم توزيع الوصول إلى التكنولوجيا والإنترنت عالي السرعة و القدرة على شراء خدمات الشركات المزويدة للذكاء الاصطناعي بشكل متساوٍ بين الطلاب في المجتمعات المختلفة او حتى في المجتمع نفسة ، مما قد يفاقم التفاوتات القائمة في النظام التعليمي وهنا يبرز دور الحكومات في تسهيل الوصول الى الذكاء الاصطناعي لضمان المساواة في الفرص وحق الوصول للتعليم.[4-5,9,11]
8. انتهاكات الخصوصية
معظم التطبيقات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي تطلب وتجمع البيانات الشخصية للمستخدمين، أحيانًا دون موافقتهم، مما قد يؤدي إلى انتهاك الخصوصية والأمان الشخصي. لذا، فإن ضمان خصوصية البيانات وأمانها والحصول على الموافقة يُعد أمرًا ضروريًا لحماية حقوق خصوصية الطلاب والامتثال للأنظمة ذات الصلة بحماية البيانات.[5,8]
9. الاعتماد المفرط على التكنولوجيا
قد يؤدي الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي في التدريس والتعليم إلى إضعاف الجانب الإنساني في التعليم. كما أن تقليل التفاعلات وجهًا لوجه قد يؤثر على النمو العاطفي والاجتماعي للطلاب، وهي عناصر أساسية في التعليم الشامل.[4]
10. تحديات التطبيق
يتطلب تنفيذ تقنيات الذكاء الاصطناعي في التعليم العالي تعقيدات متعددة الأوجه وتكاليف كبيرة. تشمل التحديات تلك المتعلقة بالدمج السلس للذكاء الاصطناعي في الأنظمة الحالية، وضمان قابلية التشغيل البيني (interoperability)، والقابلية للتوسع (scalability)، والإدارة الفعالة للتكاليف خلال عملية تبني الذكاء الاصطناعي.[5]
ختامًا
في الختام، بينما لا يمكن إنكار إمكانات الذكاء الاصطناعي في التعليم العالي، إلا أنه من الضروري معالجة التحديات التي تأتي مع تنفيذه. يجب التعامل مع المخاوف الأخلاقية والفجوات الرقمية والاعتماد المفرط على التكنولوجيا باستراتيجية واضحة لضمان أن يعزز الذكاء الاصطناعي التعلم دون المساس بالعناصر الإنسانية في التعليم. من خلال تعزيز الاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي وتكييف الأنظمة التعليمية وفقًا لذلك، يمكننا خلق مستقبل تتعايش فيه التكنولوجيا والتفكير النقدي وتتكاملان معًا.